السبت، 28 يناير 2012

{ الليل ..والأرض ..والفاتـنة } جـــ 1


أستوى الليل على أريكته السوداء المخملية / وأذن بتسريح قطعان الظلمة الدهماء / 
إلى مروج السماء / وبساتين الكواكب المتناثرة / وحقول المذنبات الخرافية /المأهولة بكائنات الفضاء
ودعى إليه الندمان / فريقت في كؤوس المساء / خمرة الصمت /وداعبت الرياح الأربع / لب الزمن بالنشوة../وثملت الإتجاهات /
وإنتشى الزمن / ورقص المكان / وأخذ الجميع في المأكل والشرب 
كان ذلك في أحد القصور المنشأة في حواري السماء و أزقتها ..هناك / حيث لا وقت يحكم الوقت /
وحيث لا يصبح التفكير لمجرد التفكير / قاب قوسين أو أدنى من التفكير ذاته ..
وحيث الجنبات المتموضعة بين كنف الغسق ..والسجاد العسجدي المنسوج بخيوط الشفق ..
والمطارح المطعمة بالنجوم
بل إلى حيث ما يحيل السواد / إلى لوحات فسيفسائية مغسولة بألوان القتامة..
أينما نظرت / وذهبت في خيال وخيالات /تناثرت بين حجرات عينك بنات النجوم الفاتنات
يمرحن هنا / ويرقصن هناك / غارقات في الغناء لحظة / ويشملهن الصمت لحظات
والجمع بين ذاك وذاك / يسيلون كالماء في أخدود متاهة من العظمة 
ومضى العدم بذلك إلى ما قد مضى به

وأما الارض ..فقد إفترشت نفسها ..ونامت على جسدها ..وتغطت بأعشابها
وزرع طائف من الأحلام فوق منحنى جفنيها باقة أزهار تسكب عطر الاحلام في تؤدة..
تحرسها هالة من الفوضى المرتبة تارة / وشآبيب النظام الزمني المعقد طورا آخر..
وتهب بين الرواق الذي يفصلها عن السماء / ريح هلامية / لا ساخنة ولا باردة
مأهولة بالطيب العاشق للعدم / وكان ذلك ما كان للأرض ..!

وأتى ما سوف يأتي لكل ذلك التجلي السامق /والإمتداد السرمدي المسبوك بالدهشة
والممشوق بإضطرام اللذة الأبدية / والخيال المحنط في داخل إهرامات الوجود
حيث أنعقد لسان النهر / بغتة / بلا ميعاد/ ولا إنعقاد مسبق لفكرة أن يصمت!!
وبرزت الفتنة العائمة على جسد أنثى ..تختال في ثوبها الأثيري ..المغسول بماء البيلسان 
المطرز بإبتسام زهور ( الليلك) ..تتمايل حولها الرقة / تنساب بين خطواتها أسراب من اللذة /
ويزفها إلى مآلها طائف من الجمال / ينفث بين جنبات روحها المنتشي / زفرات وزفرات
ويؤدب الحشائش التي تعترض خطواتها / ويجبرها على الإنحناء / فتنحني الحشائش وصغارها ..
وهي ترمق العابرة فوقها بعين الذهول / ودهشة الإنبلاج الغريزي المسكوب في الأفئدة 
فبعد ثمة / وأغنيات ...وتغنج / وعبارات ...

تفترش الفاتنة العشب الأخضر .../ تخلع من عليها هالة القماش المبرقش ..بالعذوبة
وتجول بمآقيها هنيهة وهنيهة !! ...تسبح في لجة الهدوء العابق بالهدوء 
لا يعكر صفوه سوى صرخات بنات آوى !! / وعرائس الليل الملائكية 
وضحكات عشاق تتسرب هنا وهناك / وكان لها ما كان .. وكان لي ما سوف يأتي !!

أجدني ..من وراء سنديانة عظيمة ...أرمقها بنظرة / عبور الدهشة الاولى /
لا علم لي بماهية حضوري / وانى لي بمعرفة أين انا ؟
لا ارخبيل يصنف / ولا واحة غناء / ولا خاطرة كتبتها في ذات ذات..
وأنى لي بمعرفة ماهية الفاتنة هناك / أكانت أنسية / أم جنية هربت من عوالم اجدادها !!
فبقيت / أشتعل / أتحرق بالإقتراب ...بالإمتزاج بتلك البهية المبجلة على أعنة العشب ..
فبقية ثمة أسيل على ما بقى من لبي / الفكرة تلو الفكرة / الكلمة تلو الكلمة / الصمت تلو الصمت
فأنسل مع الحفيف / وأقترب / مع الإقتراب / وانكمش في كل خطوة ...
ويخرج الهواء من كبدي كالسعير المضطرم ...
كبحر لتوه يمتليء بالصخب / فيغرق بين حناياه الجواري المبحرة كالأعلام ..
وتنبثق بين جبهتي ألف عين / كلها تسابق بعضها للفوز بقطعة من مفاتنها /فتبث من بؤبؤها نظرة إنتصار 

فدنوت ..ودنوت / أمني نفسي بقبلة / اعود أدراجي / بعدها عاشق..
وامهر هذه الفتنة العائمة على برانس الورد / بمهر قدره ملء قلبي /
نظرت ..نحوي مشدوهة / صرخت الفتنة بهلع من مآقيها الحذرة الوجلة ...
وصدم الجمال المتعلق بأطرافها 
وأنا ..لم يدر في خلدي..ما سوف يحدث /ولكن الحدوث الذي لم أتورع عن التفكير به / وفيه..
أستبقني / مسافة ومسافات ...ورمقته يعدو بعيدا ..
فلم يتبقى لي فعل..
فالحدث قد هرب
فبدون حدث ..يتوقف كل شيء
فتوقف كل شيء 


عبدالله البطاشي يوليو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات