السبت، 3 مايو 2014




الفئران قادمة ومسرحيات أخرى
تقديم ودراسة نقدية:
د. فاطمة محمد الشكيلي
الأستاذ بقسم الفنون المسرحية في كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس
عبداللة البطاشي : المؤلف
عبدالله البطاشي كاتب مسرحي, من الجيل الثالث من كتاب المسرح العماني, وهو أيضاً شاعر ومخرج له أعمال درامية للتلفزيون والإذاعة والسينما, ويعد من الشخصيات التي أضافت العديد من النصوص إلى المسرح في عمان, منها : ( مسرحية الكهف، و مسرحية الناقوس، ومسرحية درب المجانين، ومسرحية الليلة الباردة، ومسرحية اليمين، ومسرحية شباب بلا زورق, ومسرحية عيادة الأمراض النفسية، ومسرحية الكابوس، ومسرحية عازف الكمان، و مسرحية الخفاش، ومسرحية الرزحة، وغيرها .. فأعماله المسرحية تكشف عن كاتب معطاء راسخ القلم في حرفته, وأفكاره المزروعة في النص تكشف عن روحه المتقدة, وحواراته تزخر بموسيقى شعرية عذبة, استوحت ألحانها من إيقاع المجتمع من حوله. وتتميز كتابات عبداللة البطاشي المسرحية بالكثير من الابتكار, وتنم عن قدر كبير من المعرفة بأبعاد الخشبة وإمكانياتها اللامتناهية, وبالتيارات الفكرية المختلفة التي شكلت عبر الزمن طبيعة الفرجة المسرحية, فقد قدمت نصوصه رؤى غير مألوفة في الطرح في الكتابة العمانية من خلال التطرق إلى الحدث التاريخي بوصفه منطلقا لمناقشة وجهة نظر محددة من زاويا مختلفة, وتوظيف الفلكلور والتراث والشعر في النص, والاهتمام بالسرد المرئي الذي يوظف جماليات الصورة لإيصال المعنى بدون قيود الحوار التقليدية.
قراءة في المسرحيات الثلاث : (الفئران قادمة، المنجور ، الموت يجلس القرفصاء)
تُعد المسرحيات الثلاث ( الفئران قادمة) 2005, و( المنجور) 2007, و(الموت يجلس القرفصاء) 2008, نماذج مسرحية غير تقليدية ليس الغرض منها تقديم أحداث واقعية منقولة عن الحياة, وإنما تجسيد لوحات عن الحياة, والموضوع يُقدم للمتفرج في شكل تجريدي رمزي ضمن منظومة رمزية متكاملة يستقبلها المشاهد /القارئ في هيئة إشارات لا يُدراك معناها الحقيقي إلا بانتهاء المسرحية. كما أن الابتكار والابتعاد عن الواقعية -في المسرحيات الثلاث- يتعدى كسر قوانين القالب الدرامي الكلاسيكية ويمتد إلى أسلوب رسم الشخصيات, وكتابة الحوار, واستخدام جماليات الصورة لدعم الرؤية الشاعرية للكاتب والتي تسعى لخلق حالة فرجوية مسرحية من خلال التركيز على تفاصيل دقيقة لعالم شديد الخصوصية, عالم يقدم مفاهيم جديدة تصور الواقع بالأسلوب السيميولوجي, وتجبر المشاهد/ القارئ على التخلي عن التلقي السلبي والمشاركة الفعَّالة في فك رموز كل ما يدور داخل الإطار المسرحي. 
المسرحية الأولى (المنجور ):
"المنجور" هو بكرة الزاجرة الخشبية المربوطة بين شجرتين والتي يجرها ثور ليتم استخراج الماء من أعماق البئر, وهو أيضاً اسم أحد الفنون العمانية التقليدية الذي يمارس في غبشة الفجر, وأحياناً في وقت الأصيل, والكاتب اتخذ من "المنجور" عنواناً للمسرحية مقصود منه, حسب ما يوضحه سياق المسرحية, صوت المنجور الذي ينتج عن احتكاك الحبل الذي يجره الثور بالبكرة والذي تشير إليه العجوز قائلة : "هذا صوت المنجور, وهو مثل السحر, يستيقظ في غبشة الصبح, ويسحر الكون بشعره."
وصوت المنجور في المسرحية يعبر عن الحزن والألم والمعاناة والقسوة كما يتضح ذلك في اللوحة النهائية أو لحظات اقتياد الأم العجوز أبنائها إلى المشنقة, فصوته لا يتوقف إلا بعد الموت ومع توقف صوت "الصراخ والضجيج " و"صوت الناس", لنشعر كما يشير الكاتب; "برهبة الصمت" . 
تقع أحداث المسرحية في بيت قديم لأسرة نفهم من سياق الحديث بأنها أرغمت من قبل جهة رسمية مجهولة على الإقامة الجبرية داخل هذا المنزل بحجة حمايتها من وباء خطير منتشر في المدينة لأنها الأسرة الوحيدة التي لم يلوث الوباء أفرادها.
وطوال زمن المسرحية نشاهد الأسرة المكونة من الشيخ "الأب", وامرأة عجوز "زوجة الشيخ", والإبن الكبير, والابن المتوسط, والأخت; في صراع مؤلم بين الخضوع للأوامر والبقاء في المنزل وبين رغبتها الشديدة في الهروب من هذا السجن القهري وتذوق طعم الحرية. ومن خلال تتابع الأحداث يتضح من حوار الشخصيات مع بعضها بأن هناك شقاق داخلي بين أفراد الأسرة ناتج عن شرخ عميق سببه السجن الاجباري مما يدفع الاسرة إلى التقاتل كما يوضحه الحوار الآتي :
الكهل : انته لازم تحترم المكان وقوانينه
الكبير : (بغضب) أي قوانين.
الكهل : قوانين النظام, قوانين المكان, القانون اللي لو ما كان موجود كانت الفوضى بتسبح مثل 
المطر في العراء.
الكبير : القانون موجود علشان ينكسر
الكهل : القانون موجود علشان يأدب أمثالك المتمردين على أخلاقهم.
الكبير : لو كانت الأخلاق تنفع..كان ما تركت الكلاب أخلاقها..وصارت مسعورة!! 
الكهل : انته وقح ومجنون..
المتوسط : انه غلطان في نقاشك مع هذا المتمرد على مبادئ هذي الأسرة..أنا بدأت أشك بأن الوباء 
يتغلغل في جسمه مثل الدم في العروق.
في النهاية فقط نفهم بأن الوباء وهم كبير فرضه الآمر على هذه الاسرة حتى تبقى معزولة عن المحيط الخارجي, والآمر هو الأم والأب, وبأن الأم العجوز هي التي كانت تجسد الشبح الذي يقود أولادها إلى المشنقة, وحسب تقييمها العالم كله "خرافة".
يستعين الكاتب في "المنجور" بالنسج الأسطوري الممزوج بقوة بالشعر وبالموروث الشعبي المرتبط بثقافة الإنسان العماني, ونتيجة لذلك يخلق عالماً مادته الخيال, يتداخل فيه الحلم والكابوس, وتختلط فيه الرؤى والأوهام, عالم يموج بالذكريات, لا يحكمه قانون ولا تحده حدود الزمان والمكان;عالم بعيد كل البُعد عن المنطق وقوانينه العقلانية. فمع بداية تدفق الصورة الأولى, ندخل في جو من الطقس الأسطوري يعلن عن بدايته الدخان والإضاءة الزرقاء الشاحبة وصوت المنجور, والذي يعمق من الاحساس بالأجواء الحالمة هو سماع جزء من قصيدة نبطية ترددها "أصوات" بشكل جماعي وكأنها تردد صلوات كالتالي :
"مري على عين الصباح ..إللي بكت
في حفلة المنجور
كأنك جنازة تعبري
شرفة سؤال وما لقت تأويل
مري على ديباجة الحزن القديم وأصهلي وتعلثمي..
بين المشانق والجروح 
ياللي كسفتي الشمس في عين السطوح ..."
والكاتب طوال النص يستخدم كلمات وأمثال وصور وتشبيهات قادمة من الميثولوجيا والموروث الشعبي الإنساني, فصورة الأم العجوز في المشهد الأول وهي "تحيك قطعة قماش" مستخدمة في الخياطة خيوطاً سوداء "مترامية وممدة من مكانها إلى أسفل الخشبة", تذكرنا بصور مشابهة لإلهات من مختلف الثقافات القديمة, فالحياكة والنسج –توافقاً مع عقلية المجتمعات التقليدية التي أفرزت- حرفة مرتبطة في الأساس بالمرأة, والفعل نفسه أي الحياكة والنسج في الفكر القديم, مرتبط بالغموض والقدر, فهناك ربات القدر الثلاث the Moirai في الميثولوجيا الإغريقية كن يتحكمن بمصائر البشر عن طريق غزل خيوط القدر التي يمسكن بها و يقمن بلفها على فلكة الغزل, كما أن الإلهة الإغريقية أثينا-ربة الحكمة والشجاعة والقانون والعدالة- تخصصت في الفنون والحرف وتصورها القصص كحائكة فائقة ماهرة, وفي روايات الميثولوجيا الإسكندنافية تصور نساء عمالقة يعرفن باﻟ The Norns اللاتي يقمن بحياكة القدر, بالإضافة إلى أن "أغنية الرمح" الموجودة في ملحمة نيولة الإسكندنافية Nials Saga تصف بدقة نساء الفالكيري Valkyries وهن يستعملن النول أو المغزل للنسج ويقمن باستخدام رؤوس الرجال المقطوعة كأوزان, والأسهم كوشيعة أو بكرة, وأمعاء بشرية كسداة في النسيج. 
والكاتب يستعين أيضاً في رواية الحدث بحكاية شهيرة من التراث الأوروبي والتي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى المعروفة بقصة عازف المزمار السحري The Pied Piper of Hamelin , والواردة في الحوار الآتي : 
العجوز : ...النهاية دائماً مثل المزمار اللي سحب خلفه ملايين الأذكياء, جبروت المزمار هو 
الحاكم الفعلي للخطيئة.
الأصغر: المزمار اللي أخذ خلفه الفئران؟؟ هذي الحكاية كنت أسمعها وأنا ألعب في المدينة 
قبل ما يتفشى فيها الوباء...حكاية المزمار, مزمار العازف اللي مشت خلفه ملايين 
الفئران البائسة وهي مغمضة عيونها.
الكبير : الكائنات اللي راحت ترقص خلف المزمار, ما كانت فئران..لكن الجوع والعطش, 
هو اللي حولها إلى كائنات تشبه الفئران.
الحكاية الأصلية, حسب أراء بعض الباحثين, ربما تحمل في طياتها أبعاداً تاريخية حقيقة مرتبطة بموت أعداد كبيرة من أطفال مدينة هاملين Hamelin الألمانية في العصور الوسطى, ولذلك أصبحت شخصية عازف المزمار ترمز إلى موت الأطفال ربما بالطاعون أو بإحدى الكوارث الطبيعية. وبهذا المفهوم يظهر الربط بين موت الأطفال في قصة عازف المزمار وبين موت "الأطفال" أولاد الأم /العجوز في المسرحية. 
وهناك إشارات في النص إلى أسماء الشهور السريانية المرتبطة في الثقافة العربية بانتهاء الحصاد وموت الطبيعة , فالعجوز تذكر شهر أيلول/ سبتمبر, قائلة : " ايلول.. يسوقك قطيع من النجوم المتحجرة..ويشرب أنفاس الهواء قبل ما يوصل لأنفاسك" , وفي مكان آخر يأتي ذكر شهر تشرين/نوفمبر على لسان الإبن الكبير, والمرتبط هو الآخر بالشتاء وجمود الطبيعة, و يرد شهر نيسان /إبريل مرتبطاً بالقيظ والمطر, بعودة الطبيعة إلى الحياة, بالتوافق مع المثل العربي الذي يقول "مطرة نيسان بتحيي الأرض والإنسان ".
كما يستثمر الكاتب تقنيات رواية الحكاية ذو الملامح التراثية وذلك بأن يجعل أحدى الشخصيات تقوم بسرد قصة, فالعجوز تقوم بدور الراوي في مشهد حواري وهي تنشد :
العجوز : ( تنشد القصيدة التالية ببكاء ) كان ياما كان طفلة
جات من حضن المدينة
تتبع أطياف الأماني
بين أجراس المباني
والمداخن
والدكاكين القديمة
والشبابيك الفقيرة 
كانت الطفلة صغيرة
تلعب بطين المزارع
في السواقي والمراعي
والمراجيح الكثيرة... 
لا يزال النخل يذكر ..!! إنها كانت وحيدة كانت تحب السوالف. والعجايز / والأساطير القديمة
عند تفحص طريقة رسم الشخصيات, نكتشف بأن الكاتب قام بعرض نماذج ليست إلا تجسيداً لرموز أو صورا استعارية أقرب الى الشخصيات في السرد الاسطوري منها الى التشخيص الواقعي. فهناك المرأة العجوز"زوجة الشيخ", هي الأم والأرض مانحة الحياة وهي الشبح الذي يقتاد الجميع إلى المشنقة, وهي رمز الوطن الذي يسلب حرية أبناءه ويُقتلوا من أجله أو يقتلهم, والشيخ هو "الأب" صانع لعبة الحصان الخشبي لأولاده وهو السجين والمدافع عن أنظمة السجان, الابن الكبير المتمرد على الأنظمة والقوانين, الابن المتوسط المعتدل والمنحاز للوسط , الأخت التي تحلم باللعب مع العصافير الراغبة في الموت للخلاص من العذاب. 
الطفلة الصغيرة التي تظهر في المشهد الاستهلالي وهي تخرج من الصندوق المليء بالصراخ والضجيج والنيران والتي تشنق، ومن ثم تعود في المشهد الأخير لتحاول اختراق الحاجز، هي في رأيي, رمز للروح الإنسانية العاجزة التي تحاول الفرار من قدرها والمدركة في نفس الوقت لمحدوديتها أمام قوى أكبر منها حجماً وقوة. 
حوار الشخصيات في المسرحية لا يشبه الحديث اليومي المنطلق على سجيته كما يمكن أن يحدث في الحياة, فهو حوار تتخلله مقاطع لقصائد شعرية نبطية, كما أن الشخصيات تلقي جملا شعرية مغرقة في الرمزية , وتنطق أحياناً بكلمات تقطع تسلسل الحدث الفعلي, أو مما يبدو غريباً على الموقف ويلقي على الأحداث ظلالاً من التجريد المبهم, والحوار التالي يُقدم مثالا على ذلك :
الأخت : أمي ..متى رايح ألعب بطائرتي الورقية..ومتى أركض مع العصافير في العالم اللي خارج الكوخ؟
العجوز : أيلول يسوقلك قطيع من النجوم المتحجرة, ويشرب أنفاس الهواء قبل ما يوصل 
لأنفاسك..عارفة أنك مشتاق (للقماط) اللي ضحك على جسمك في ساعة بؤس.
الثيمة الغالبة على المسرحية هي ثيمة تأثير الوهم في حياة الإنسان, وتعبر عن ذلك العجوز قائلة: 
"اللي حبسنا هنا خرافة صنعناها أنا وأبوك, وخليناها مثل الورث تتوارثوه..كل مجموعة أشخاص يتجمعوا..رايحين يشكلوا مجتمع..وبعدها لازم يصنعولهم وحش علشان يكون لحياتهم ردة فعل."
وتبدو جميع الأحداث في المسرحية تشريح لتبعات الإيمان بالوهم الذي قد يؤدي إلى الدمار وموت القيم الإنسانية. والمسرحية مليئة بالإسقاطات, فالأسرة كيان مستقل ولكنها ترمز إلى المجتمع وبالتالي فالشقاق الذي يتسلل إلى هذه الأسرة ويحدث جرحاً نفسيا وتغييرا في علاقة الأفراد ببعضهم البعض, من الممكن أن تعكس الشقاق والانقسام الذي قد يحدث في المجتمع ويؤثر على ترابط أفراده. والجهة المجهولة والتي فرضت الإقامة الجبرية لهذه الأسرة وسلبت منها حريتها هي رمز للسلطة, والتي تبدو من منظور "المنجور" بأنها يمكن أن يكون لها أوجه مختلفة فهي قد تتمثل في سلطة الوالدين داخل الأسرة الواحدة, أو سلطة العادات والتقاليد, أو سلطة سياسية تفرض الأنظمة والقوانين, أو سلطة دينية تفرض قيوداً دوغماتيكية على الإنسان يصعب التحرر منها, أو سلطة القدر. ويبين الكاتب أسباب فرض القوانين والضوابط من قبل "السلطة" في المسرحية وهي لتجنب الفوضى, يقول الكهل: 
"انته لازم تحترم هذا المكان وتحترم قوانينه...قوانين النظام..قوانين المكان..القانون اللي لو ما كان موجود..كانت الفوضى بتسبح مثل المطر في العراء."
وهناك أفكار أخرى تتناولها المسرحية مثل حتمية القدر والموت, وأهمية المحافظة على القيم الإنسانية الأصيلة, والتحرر من القيود التقليدية, واقتران الحياة بالحرية... 
المسرحية الثانية (الفئران قادمة):
مسرحية (الفئران قادمة) من ناحية الشكل وتقنية ترتيب عناصر البناء الدرامي تشبه "المنجور" في عدم تمسكها بمقومات المسرحية الواقعية, واختيار الكاتب للشكل أو القالب في هذه المسرحية نابع من المضمون, فالاعتبارات الرئيسية التي أدت إلى اتخاذ المؤلف لهذا الشكل فهي الرغبة في توظيف الرمزية لإيضاح أفكار لها صلة بالتاريخ وبقيم وثيقة الصلة بالوطن والتضحية والإنسان, من غير استخدام المباشرة في الطرح لتحريك المخيلة واستنتاج المثيل الواقعي الذي يلامس واقعه وهمومه. 
يتبين من المشهد الأول بأن هناك أربع شخصيات ذو رتب عسكرية- الضابط والجندي والمراقب 1 و المراقب2- في حالة تأهب واستعداد وكأنها في جبهة حربية تتوقع في أي لحظة هجوم "طلائع من الفئران" بعد "مائة قرن من الكارثة", ونفهم من الحوار بأن الحرب المرتقبة ليست حرباً جوية أو فكرية "بل هي حرب شاملة" (ص 12) والفئران, يصفها لنا المراقب 2 قائلاً بأنها :
"المصطلح الجديد للموت..للطاعون..انها الزاحفة إلى هنا..متسللة ترمق / لحظات الوهن بين أضلاعنا البالية وترمق ومضة العيدان والأغصان الجافة " .(ص13)
انتظار هجوم الفئران المصحوب بالخوف من لقاء المجهول ورهبة الموت يدفع بالشخصيات إلى الدخول في معارك فعلية وأخرى كلامية مع بعضها البعض, والتي تأخذ ابعاداً عبثية في بعض المواقع مثل ما يوضحه الحدث الآتي:
"يقفز الأربعة [الظابط والجندي والمراقب 1 والمراقب 2] من أماكنهم..ويشتبكون..يبدأ بينهم عراك عنيف مدة معينة..تخفت الإضاءة لمدة ثم ترتفع مع صوت الريح..الآن نرى الجميع في أماكنهم يغطوا في نوم عميق..فجأة نسمع هدير من بعيد وكأنه زلزال يشق الأرض فيحدث جو من الرعب..يستيقظ الضابط بذعر وكأنه يصحى من كابوس صارخاً بفزع ". (ص15)
كما أن الضغط النفسي الذي خلقته حالة الترقب المستمرة في جبهة القتال الوهمية يجعل بعض الشخصيات تنسى التراتبية العسكرية لتعطي للمؤلف الفرصة في استعراض أفكاره عن العلاقة الجدلية بين الفرد والسلطة وبين الحقيقة والتاريخ الذي يُكتب من وجهة نظر معينة , المراقب 1 يقول :
المراقب 1: ونحن ؟ ألسنا ضمن المنظومة؟ ألسنا أفراد نتبع لذلك؟ أم أنهم ألحقونا بهذه الجبهة ونسوا 
أمرنا؟...أيها الجندي البغيض. أنا الذي أنت ماثل أمامه. قد قمت بإخضاع رؤؤس 
العشرات من الجند أمثالك. وكانوا يرتعدون ويتقافزون كالأرانب الصغيرة حينما أصدر 
لهم تعليماتي. خذ مثل في عام النكبة..قدت مليون جندي إلى عمق الجهة المقابلة
للحرب..وطوقنا ثكنة الأعداء..وسقناهم أسرى. ولولا الخيانة التي حدثت في صفوفنا من 
بعض الخونة المرتزقة. لظفرنا بالمعركة حتى النهاية...
الضابط : (يتدخل بقوة وحزم) ذلك فيما مضى يا سيدي..أما الآن.وفي هذا المكان. أنا من يصدر 
التعليمات. وعلى الجميع تنفيذها. هل تفهم؟
المراقب 1: على أي أساس يا سيدي الغاضب ؟ 
الضابط : على أساس التكليف من القيادة العليا للدول المتعاونة.بقيادة هذا الفريق.
المراقب 1: ولكني الأقدم. والأكثر خبرة..والأجدر بقيادة هذا الفريق.
الجندي: هل يعني هذا بأنك تعلن العصيان؟
المراقب 1: (غاضبا) نعم..القيام بالعصيان في وجه الرئيس الطاغية عمل مقدس.(ص 19)
ذكر كلمة "النكبة"-في رأيي- يجعلنا تلقائياً نتوجه بفكرنا إلى ربط موضوع المسرحية, بالذات فيما يتعلق بغزو الفئران, إلى النكبة الفلسطينية وما حدث عام 1948 من احتلال الأراضي الفلسطينية وتحول الآلاف من الفلسطينيين إلى لاجئين, وإلى المجازر, وأعمال النهب, وتدمير المدن, وتحويلها إلى مدن يهودية, ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية. فقد اقترنت الفئران في معظم الثقافات بالدمار والقذارة وسؤ الطالع, وغالبا ما ترمز إلى الشر, والوباء, والموت, والطاعون, بالطمع, والنفاق, والسرقة, والشياطين, وفي بعض الأحيان بأتباعه, فهي خلقت, حسب قصة الطوفان في الإنجيل, بواسطة الشيطان لرغبته في إبادة آخر من تبقى من البشر على سفينة نوح, وذلك ليعمل الفأر على إحداث حفرة في أرضية السفينة لإغراق من عليها, أو التهام المخزون الغذائي ليموتوا جوعاً. وقد اتخذت بعض الأعمال الأدبية والفنية من الفئران رمزاً للغزو بأشكاله المتعددة, المادية والمعنوية, فهناك أعمال مسرحية, مثل "الخرتيت" ليوجين يونسكو و "الذباب " لجان بول سارتر, تستثمر 
الحيوانات أو الحشرات لتوضيح فكرة فقدان الهوية والقيم والأخلاقيات الإنسانية السامية واستبدالها بقيم أخرى مزيفة, كما أن هناك نماذج لأفلام سينمائية صورت مخلوقات مختلفة بنفس المفهوم مثل; غاية في الخطورة Highly Dangerous (1950), هُم ! ! Them(1954), غذاء الآلهة The Food of the Gods والعديد غيرها التي تصور غزو القوارض والحشرات. 
وقد ربط الكاتب أيضاً بين تفاخر المراقب 1 ببسالته-كما يتضح من قراءة الحوار السابق-التي أظهرها في قتال العدو ويقينه من أن النصر لولا "الخيانة" وبين حرب أكتوبر في 1973 بين القوات المصرية والسورية وإسرائيل والروايات الكثيرة عن الخيانة التي حدثت والأساطير المتداولة عن البطولات الاستثنائية التي أبداها البعض في مواجهة العدو. 
كما أن ثيمة جدلية علاقة الإنسان بالسلطة تظهر في العلاقة الشائكة بين الضابط والجند الواقعين تحت سيطرته, الذين يلتزمون بأوامره أحياناً ويتمردون عليها في أحيان أخرى, كما يظهر تطور الحدث التراتبية في النظام العسكري في هذه الجبهة الوهمية, وانتقال ثقل القوة من أصحاب الرتب العليا إلى أصحاب الرتب الدنيا, ثم طمس هذا التمرد بالتهديد والاستبداد, والكاتب يستعرض ديناميكية لعبة تبادل القوى هذه لإبراز ثنائية العلاقة الأزلية بين الرئيس والمرؤوس و السيد والخادم. والعلاقة تأخذ أيضاً منحنيات مختلفة كانعدام الثقة والتشكك-كما هو مصور في المسرحية في "القيادة العليا" أو السلطة المركزية- والإحساس بالاضطهاد. 
...لقد تأخرت المؤونة..أشعر بالعطش..وبالجوع. وبمعدتي وهي تتلوى كعصفور أحرقته الشمس..ما العمل ؟ أخشى أن تكون مؤامرة دنيئة تم ترتيبها من قبل القيادة العليا لتصفيتنا..
الضابط: (وهو ينظف بندقيته) لا تقلق يا سيدي المراقب..لابد وأنهم منهمكون بالعناية بشعوب 
دولنا المهددة بالطاعون.
وفي النهاية يتم طرح السؤال : "...من يحكم من ؟ من يقيد من؟ من يصرخ في وجه من؟" لأن الكل يتساوى في ساحة المعركة وفي لحظة الموت.
وتظهر أيضاً في المسرحية فكرة بأن هاجس الوهم/الماضي يظل معلقاً فوق رأس الإنسان كالغيمة السوداء أو اللعنة والتي تمنعه من الاستمتاع بالحاضر واحتضان المستقبل, ﻓ "ان الفئران التي قيل بانها تزحف منذ زمن بعيد ومن الماضي البعيد الى هذا المستقبل الجديد اصبحت جزء لا يتجزأ من خرافة بلهاء" (ص 21) 
الحوار في المسرحية مكتوب بلغة مليئة بالشاعرية الحالمة المتدفقة من لغة الحوار فشخصية المراقب ,2 ترسم بكلماتها صورة جمالية رائعة عندما تقول:
"الأرض ميتة..والهواء مليئ بالروائح المتعفنة..السجلات تطايرت في غياهب الوجود المندثر..رزنامته / كالتقويم / أطاح بها الوزغ.. ونهش الجفاف / جسد الأشجار ومزق ثياب العشب والكلء..وبقت الأطلال وحدها..تراقب الضوء وهو يترنح كالحلم." (17)
ثيمة الانتظار تفرض نفسها بقوة على المسرحية وهو ممزوج , على الرغم من تعاسته, بالخلاص الذي لا يأتي أبداً, فالضابط يقول بأنه : " في انتظار النصر..غيمة تحمل نبيذ النشوة. فننتشي" (ص 14), وفي موقع آخر يفضفض المراقب 2 قائلاً: " الأن وبعد مائة قرن من الكارثة لا زلت أنتظر القافلة ولا شئ يأتي. ولا حتى صوتها الحلم". (15) 
نهاية المسرحية تحمل مفاجأة تنفجر بظهور شخصية الرجل الأعرج الذي يأتي في النهاية ويبلغ المرابطين في الجبهة بأن الحرب المنتظرة قد انتهت منذ زمن بعيد, ولأنها خلفت دماراً استوجب حدوث حرباً أخرى وهي "حرب البناء", وبأنهم جميعا يعتبرون من ضمن المفقودين. والصدمة لا تتوقف عند ذلك فهناك معلومة إضافية يقولها الأعرج; واحد من المراقبين أصيب في عام النكبة ففقد بصره والآخر مصاب بالصمم. وتنتهي المسرحية بصوت أربع طلقات نارية متتالية تُطلق في الظلام من بندقية الضابط الذي أفقدته لحظة الاكتشاف أعصابه. وتكتشف هذه الحقيقة يحدث تحولاً في الإدراك Perception Shift لدى المتفرج وشخصيات المسرحية معاً مئة وثمانين درجة, والكاتب هنا استغل إحدى أهم التقنيات الأدبية التي تعتمد على تضمين حادثة مفاجئة غير متوقعة بعد لحظة التنوير Moment of Enlightenmentلشرح فعل أو معنى أوموضوع مُعقد يكسر توقع المشاهد وإحداث الأثر المطلوب, فعند نقطة النهاية فقط نعي بأن كل ما سبق كان حلم جروتسكي مزعج.
المسرحية الثالثة (الموت يجلس القرفصاء):
مسرحية (الموت يجلس القرفصاء) هي مونودراما, وكتابة هذا النوع من الدراما عملية صعبة, لأنه يتطلب قدرة عالية على تخيل حوارات وأفعال عدة شخصيات تؤديها شخصية واحدة فقط في الفضاء المسرحي. والمسرحية الميلودرامية أقرب في أسلوبها من تقنية المسرح الملحمي الذي يسعى في المقام الأول إلى كسر الإيهام, وتحقيق تأثير التغريب Alienation Effect أي "جعل المألوف يبدو غريباً" حتى لا يندمج المتفرج كلياً مع ما يدور على الخشبة ويبدأ في تفحص الاعتيادي والبديهي وكأنه يفعل ذلك لأول مرة, وكأن الأشياء الدنيوية والعادية, تحت ضوء جديد, أصبحت قادرة على إثارة الدهشة وتحقيق المفاجئة. ويعتمد أيضاً النهج البريختي على المكاشفة والمصارحة والاصطدام بالواقع, مثل ما تفعل الميلودراما, وذلك ليظهر فكر الكاتب أكثر وضوحا. ولا يتم الاعتماد في هذا قالب المونودراما على الترتيب المنطقى للأحداث, فبعض الأحداث يتم تجسيدها عن طريق الاسترجاع من الماضي, وكثيرا ما يحدث أن يمتزج الزمان والمكان ويتم الانتقال بين الأحداث التي حدثت في الماضي والعودة إلى الحاضر بمرونة وانسيابية. 
لم يقسم الكاتب المسرحية إلى مشاهد فهي تبدو كمشهد واحد متصل, والحدث, حسب وصف المؤلف, يدور في "ثلاجة لحفظ جثث الموتى" كل شئ فيها ناصع البياض ومعقم ويوحي بالبرودة والصمت والوحدة. تبدأ المسرحية بكلمات يلقيها "الممثل" بأسلوب إنشادي وهو نائم بجانب جثة مرتدياً الملابس اليومية العادية. ومن ثم يبدأ في محاولة تذكر وتجسيد عدة سيناريوهات أو كما يسميها "تصورات " لطريقة وصول الجثة التي رأيناه مستلقيا بقربها عند بداية الحدث, ويقوده ذلك إلى التفكير في كيفية وصوله هو نفسه إلى المشرحة, والسبب الذي دفعه إلى النوم بجانب الجثة. وبعد ذلك نراه في محاولات يائسة, على أثر سماع أصوات في الخارج, يهرع إلى الباب وهو يصرخ "هيييييييييييه ..هيييييييييييه ..أنا هنا..." معلنا عن تواجده بالداخل ومطالبا بفتح الباب وبإخراجه من هذا المكان الذي سُجن فيه بالخطأ ولكن دون جدوى. والممثل في يأسه يقوم بكل الأفعال التي يقوم بها الإنسان في يومه العادي فهو تارة يبحث عن سيجارة في جيبه ليدخن وتارة أخرى نراه يتبول, وبعد محاولات يائسة لفتح الباب يبدأ في إدارة حديث من جانب واحد مع الجثة, وحين يمل نراه يجسد مواقف حدثت بينه وبين زوجته والتي تبين بأن علاقتهما العاطفية والزوجية ليست على ما يرام . وفجأة يتملكه الغضب من الحرمان الجنسي الذي تمارسه عليه زوجته فراه ينظر إلى الجثة بشهوة ويبدأ بتحسسها ويهم بالانقضاض عليها ولكن الفعل لا يكتمل بسبب صوت الاسعاف الذي أتى لينذر عن فتح الباب وجلب جثة جديدة, فيبتعد فجأة "متقززا" ويدرك بأنه لم يكن في وعيه. وبعد سماع صوت الرعد منذرا عن "بكاء السماء" , يثير استغرابه عدم شعوره بالعطش والجوع طوال فترة تواجده في المشرحة, وبعد أكثر من محاولة فاشلة لإسماع من بالخارج صوته كان قد ركض على اثرها إلى الباب بعد ان سمع صوت الاسعاف, "ينفجر في البكاء" ويصب كافة يأسه وغضبه في الجثة محدثا إياها بكلمات تعبر عن انحدار تركيزه وتدني قواه العقلية, فنراه يضحك ويبكي بالتناوب بطريقة تدل بأنه فقد قواه العقلية, وحتى عندما يسمع صافرة الاسعاف يبحلق في الافق وقد فقد الرغبة تماما في الانطلاق نحو الباب, ومن حواره الأخير مع الجثة نفهم بأن الميت انتحر بشنق نفسه بحبل طويل. وفي اللحظات الأخيرة من المسرحية يوظف الكاتب نفس تقنية المفاجأة التي استعملها في المنجور والفئران قادمة لكسر توقع المشاهدين, وذلك عندما يشك الممثل فجأة في هوية الجثة ويزيل الغطاء عن وجه الجثة ﻟ "يصعق" لأنه "يكتشف بأن الجثة هي جثته". 
كل شئ في المسرحية يبدو ذو أبعاد مجهولة مغرقة في التجريد والرمزية, مثل الموت, موضوع المسرحية, الذي يجلس القرفصاء كالحيوان في حالة تأهب المستعد للانقضاض على كل الذين يعبرون من الباب لاختطافهم إلى الجانب الآخر. ولكن الموت في هذه المسرحية يُناقش مرتبطاً لا بالحتمية ولكن بالرغبة في الموت وتبعاتها, أي بالانتحار, وعن ذلك يقول الممثل :
"الحزن ليس في الموت الذي له حضور حتمي. بل الحزن في أن يسابق البشر في استحضار 
الموت رغم عنه..ترى كم جثة هنا تترك خلفها طفل/ أو زوج ؟ أو زوجة/ أو والدين؟ يقتلون 
في الدنيا. أولائك المعذبون. ثم يحتويهم الصقيع قبل التراب. أي مفارقة هذه؟!!"
عكست شخصية "الممثل" بمهارة فائقة الصراع النفسي للشخصية الدرامية الواقعة تحت ضغط على أثر سجنها في ثلاجة الموتى واستطاع المؤلف أن يقدم لنا شخصية تتميز بالغنى من ناحية الأفعال والأقوال مما يبعد الإحساس بأن هناك شخصية واحدة فقط على المسرح. وقد ترجم الكاتب أفكاره بجمالية عالية لتوصل للمتلقي ما يعنيه ببساطة تتطلب الكثير من التعقيد مثل تجسيد فكرة استلقاء الممثل (الإنسان الميت) بجانب جثة واستيقاظه يمثل خروج الروح من الجسد , واستثماره لسماع الممثل لصوت الرعد المربط بالمطر وإدراكه بأنه طوال الوقت لم يشعر بالعطش أو الجوع, الممثل يسأل نفسه :
"انه صوت الرعد. ان السماء على وشك البكاء. ولكن كيف يصل الصوت إلى هنا..؟
ان المكان مغلق.مغلق. مغلق. مستحيل أن يتجلى صوت الرعد في هذا المكان المغلق!!
(وكأنه يتذكر شيئاً) العطش!!سؤال مهم . كيف لم أشعر بالعطش طوال هذه المدة؟ أو. 
كيف لم تحضرني حالة الجوع؟
وتوظيف رقص الممثل أيضاً لمحة جمالية مرتبطة ﺑ"رقصة الموت" Dance Macabre والتي كانت نوعاً من العروض الدرامية في العصور الوسطى, يشبه المسرحيات الأخلاقية الإنجليزية, كان يؤدى لتذكير الجماهير بأن الإنسان مصيره الموت ولذا لابد من الاستعداد له. ومع تطور الفن أصبحت رقصة الموت أيقونة شهيرة في فن العصور الوسطى للدلالة على الموت والتذكير بضرورة التركيز على صالح الأعمال.
الحوار متفرد بشاعرية عالية, وهو خليط بين النثر والشعر, معبر عن الوحشة, والمعاناة, والألم. استطاع المؤلف الشاعر ان يعبر عن حالات اليأس المرتبط بأحساس الإنسان بمحدوديته الشديدة أمام قوى ميتافيزيقية عليا عن طريق اللغة, فمثلا يتضح ذلك من الآتي :
"نحن ندرك بأن الساعة لا تدور بمفردها..فأطعمنا/عقاربها الصغيرة..وانتزعنا/من بين فاهها/قنينة السم..ندرك بأن معنى الادراك هو الاستلقاء..وأن نشوة السرمدية نافورتها ممتلئة..وأن ثمة أحلام /تعشق اللهب..وثمة طريق واحد لبكاء السماء..وإلى اهتزاز الأرض من تحت ؟ جنباتنا تنفست المساء/ بين جدران الوقت فطبعت على ثغر جوارحي قبلة.."
وتتميزهذه المسرحية بتطور أحداثها بأسلوب منطقى, على الرغم من السريالية الشديدة التي تلون بها الحدث, له بداية ووسط ونهاية على الرغم من كسرها للبنية الدرامية التقليدية، وعكست بنية درامية وجمالية مكتملة من كل نواحي الإبداع الدرامي فى المسرحية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات